خروف العيد الذي ربيته واعتنيت به وعشت معه يوما بيوم وصار رفيقاً حميما لماذا يذبحونه؟! كنت أشاهده يوم العيد متوترا ومتسمرا في مكانه، رافضا مغادرة حظيرته ومفارقة أقرانه.. شاهدتهم وهم يكبوّه ويرغموه على السير عنوة وكأنه يدرك أنه ذاهب للسلخ..
كنت أشاهده مملوءا بالفزع والخوف.. عيناه هلعه ومرعوبة وهي ترى السكين.. كنت أشاهدهم يقدمون له الماء ليشرب قبل الذبح وهو يرفض وكأنه يحتج على أقدار ونواميس هذا الكون.. كنت أتابع تفاصيل حركاته وأنفاسه.. كان مرعوبا ويرتعش فزعا وخوفا.. كان يعيش اللحظة كما هي.. وكنت أتمزق من الألم والحزن وهو يُذبح، ثم ألوذ بالهرب مسكونا بالرفض وعدم الرضا أن تكون الحياة بشعة على هذا النحو.
كنت طفلا، وما كنت أظن أن عمري سيمتد إلى ما بعد الخمسين، وأشاهد ما هو أكثر من فادح ومرعب وبشع.. ناس يجزون رؤؤس ناس تقربا إلى الله وطلبا لغفرانه ورضوانه.. ناس يرتكبون كل حماقات الدنيا وفظائعها من أجل دخول الجنة ومضاجعة حور العين.. ما كنت أدري أن جوع الجنس أكبر من كل جوع..
ما كنت أظن أن مستقبلنا سيغتصب وأحلامنا ستصلب بهذا القدر من الجرأة والنذالة والحقارة.. ما كنت أعرف أن أوطاننا سَتَعلَق وستغرق بكل هذه الدماء، وأن حضارة وعمران أكثر من ثلاثة ألف عام سيطوله كل هذا الدمار والخراب، وإن الموت سيعبث فينا بهذا القدر من الجنون ، ويُعاث بالأرض كل هذا الفساد القادم من الناس لا من الشياطين.